الاثنين، 18 أبريل 2016

بقلم جهاد أيوب/ تخوض غمار النقد الاجتماعي بشخوص عديدة


"نحيفة" ليليان نمري من أجل مسرح العائلة وصوت الوطن




بقلم//جهاد أيوب

             قليلة هي التجارب المسرحية التي تقدم على خشبة المسرح في لبنان، وغالبية ما يعرض هو عبارة عن تجميع وجوه فنية وإعلامية تنسجم في خطها السياسي او طريقة العيش، وتقرر هذه الوجوه نقد هذا وذاك دون هدف، وتتطاول على كل الخليقة بسخرية جارحة، وتستجدي الناس كي يضحكوا عليهم، والاهم اعتمادها على اللغة الجنسية، والحركة السكسية، والكلام النابي، والتعري والصراخ .. كل هذا لا يتطلب معرفة  باولويات المسرح بل صالة في نادي ليلي، واجواء صاخبة، واختراع كذبة الفن والحوارات السوقية، وفي الحقيقة من المعيب ان نطلق على هذه النوعية صفة وكلمة "فن"، بل هي محاولات لا ترتقي إلى فن التهريج، هي تبحث عن الرزق والشهرة بأي وسيلة في مجتمع لم يعد يكترث لأصول الابداع...هذا ما يحاصر فنوننا ومسرحنا، ورغم ذلك لدينا بارقة امل كلما اطل رفيق علي أحمد و جورج خباز، وغيرهم ممن يؤمن بالمسرح، واليوم تطل وتجاريهم المغامرة المسرحية فنانة تحمل في جعبتها اكثر من 45 سنة بالفن والعطاء، ومتخرجة من مدرسة عريقة ناظرها شرنو ومديرتها علياء نمري واساتذتها باقة من وجوه الفن المؤسس والجميل، إنها ليليان نمري المشبعة والمتعطشة إلى الفن النظيف.

تطل ليليان على الخشبة من خلال مسرح المونودراما بمسرحية "نحيفة" تأليفها واخراجها وكتابة الاغاني وتلحينها، و تنفيذها للاضاءة والديكور والسينوغرافيا والازياء وحتى توضيب الملابس والاكسسوارات، ووضعها في حقائب خاصة، ونقلها بواسطة التاكسي إلى اكثر من مكان في لبنان كي تعرض هناك، كل هذا جهد ليليان منفردة ومصحوبا مع القلق والخوف وفرح الفرجة، والتواصل مع من تحب، واخر المحطات كانت في الجنوب على مسرح "ثانوية رفيق الحريري" بمدينة صيدا، ومن ثم ستعرض في اكثر من منطقة وصولا إلى مسرح الجميزة!
تحاكي "نحيفة" الواقع الاجتماعي اللبناني عبر شخصية ليليان الفنانة، وما تعانيه ويعانيه أي مواطن في بلد الواسطة والسماسرة والفساد جراء توليفة ناعمة تشبه ليليان الانسانة والفنانة، اقصد لا انفصام في الطارح والمطروح، جهود صافية من اجل ايصال الفكرة الصرخة، وتشبث بالفن والوطن رغم كل الظروف والاوجاع.

تنطلق حكاية ليليان من خلال زيارة إلى مصنع الخياطة مدام اولكا لتشرح لها معاناة المراة البدينة وما تحصل عليه المرأة النحيفة بسخرية جميلة ومصحوبة بسرد مشوارها التوأم مع الفن والحياة، لتنتقد واقع المراة المتسلطة وكيفية اختيارها لحياة الكذبة، كما تشرح ليليان كيفية البحث عن عمل بديل عن الفن برشاقة مبتسمة لتخوض غمار المطربة والطبيبة، والراقصة، والمخرجة، ومقدمة برامج الطبخ، والسكرتارية، وعارضة الازياء ومصممة الازياء، ومضيفة الطيران، وسائقة التاكسي من اجل الضمان الصحي، والترشح للنيابة...كل هذه الشخصيات تمر عليها ليليان برشاقة وبدقة وبنقد موجع احيانا، والاهم تغليفه بالضحك والبسمة دون ان تصرخ في وجوهنا أو تتعمد اللغة الفوقية والمباشرة مع انها تعمدت تذكيرنا بفساد الساسة، و بأن الايام الماضية كانت اجمل، وبأن "كل من خيط للبنان لم يخيط على قياسه كوطن أكبر من الجميع".

هكذا سبحت ليليان على مسرح يشبهها، واعتمدت فيه على حكايتها والتي جعلتها بذكاء حكاية الجميع وحكاية وطن، لم تبخل ليليان في الوصف وفي الحركة وفي المعنى لذلك خاطبت الجميع، وجعلت الصغار والشباب والكبار يتواصلون معها، ويسجلون ضحكة في مكانها، لم ترتجل كي تستجدي البسمة، ولم تتعمد التمثيل كي تقول أنا النجمة، ولم تدعي الاداء كي تخطف الاضواء، ولم تبالغ في الحركة كي تسرق الانتباه، بل كانت عفوية متصالحة مع نصها ومسرحها وبوحها وتشخيصها لابطالها دون تكلف وادعاء وفوضى الشكل والطرح والموضوع.

ليليان نمري في مسرحيتها "نحيفة" هي ليليان نمري الفنانة الطفلة التي لا زالت تحلم بفرص الفن، وهي المواطنة الانسانة والصديقة الوفية التي تدرك قيمة الوطن والمحبة والمسرح، وهي ليليان على الفيس بوك التي تتحدث دون تجريح، وهي ليليان البسيطة في شرح معاناتها ومعاناة المواطن والوطن..بأختصار " نحيفة" ليليان نمري عمل مسرحي عائلي يستحق المشاهده ويبقى في الذاكرة.






الأحد، 3 أبريل 2016

نيشان في "اكابر " يعود بثقة وهدوء ويبتعد عن الغباء الإعلامي



بقلم//جهاد أيوب

  من الصعوبة ان تنجح في ظل هذا الغباء الإعلامي السائد وتحديدا في البرامج الحوارية وفي صناعة المذيعين، و بعد انقطاع عن الحوار الجدي و الفني المسؤول، والاصعب ان تستقطب المشاهد بعد خيبات أمله في برامج الفضائح والثرثرة والتخمة في صورة فضفاضة، لذلك حينما بدأ الاعلان عن " أكابر " الزميل نيشان على قناة  mtv لم نتصور انه سيخرج عن المألوف والسائد خاصة ان نيشان تخصص في تقديم الاسلوب المتبع في الاعلام الخليجي، أي البهرجة والاضاءة والالوان الهجينة والديكور الضخم والسؤال الشخصي بعيدا عن تحريك الفكر او الافادة للمشاهد وللضيف، نيشان الذي لفت إليه النقاد في بداياته، وفرض تعبه وثقافته وتميزه وخصوصيته عبر قناة "الجديد" اختلف عن نيشان كثيرا في  mbc، وايضا بعدها تاه وضاعت احلامه الإعلامية، واربكت تجاربه في فضاء الحشو الكلامي، وفرض عليه وعلينا الضيوف من قبل المحطة وتكرارهم حتى الملل، وكنا قد تناولناه بالنقد المباشر والقاس واحيانا جرحناه دون ان نسيل الدماء لخوفنا عليه، ولمعرفتنا بما لديه من امكانيات تؤهله لنجومية اعلامية نادرة..ومع كل انتقاد كان نيشان يتقبل النقد مهما كان قاسيا، ويشكر ويصر ان يستفيد مع انه مدرس في الجامعة لمادة الإعلام، وهذه الناحية لم تعد موجودة وتصب لصالحه مها اختلفت معه وعليه، ومرض الغرور اضاع الكثيرين، وجرثومة الشهرة قضت على الغالبية بينما نيشان لم يكن كذلك، صحيح غير من اسلوبه وطريقته وسؤاله، وقدم لنا ضيوفه على طريقة "الخوش بوشية" والدلع والفوضى مما اضعف طموحاته وجعلنا نأسف ونتأسف!

عودة نيشان في " اكابر " هي التحدي بكل انواعه، تحدى ذاته في ان يعود إلى القيمة في مسؤولية الحوار، تحدى الاعداد المختلف وبأن لا يشبه السائد، تحدى ما هو مطروح من سخافة وتسطيح وفبركات، تحدى من راهن عليه بالفشل وبأنه سيكرر ما وصل إليه، تحدى المشوار والاجيال التي جاءت من بعده وقطفت الشهرة...هذه الامور قد تعيق من ليس لديه ثقة بالنفس، وتبعده عن المغامرة وربما عن تقديم ما هو جديد، بينما نيشان اصر ان يكون المغامر الاول دون الالتفات إلى ما تركه خلفه، وما ناله من شهرة وخفوت واقاويل وحروب وصبيانيات الكار الواحد وما سيصيبه!

" اكابر " في الحلقة الاولى كان مربكا رغم وضوح الخطوط الاوليه له، ونيشان كرر ذاته في بعض الفقرات لكنه وبسرعة حاول الخروج فقط عابه تقطيع السؤال بشكل مزعج كما لو كان ارتجاليا او طارحه في بداياته " وأوأ و تأتأ "، وما ان جلس مع مخرجه وفريق عمله ووضع نقاط الضعف قبل النجاح كانت الحلقات المقبلة بأختلاف ومسؤولية، وكل من يستضاف في " اكابر " يكرم دون منه بل لمشواره واختلاف تميزه، هذه الغاية الاساسية من فكرة البرنامج، والاهم ان ايجابيا نيشان اكثر وتحسب له وتجعله سيد مكانه...نيشان في " اكابر " يقدم تجربة ناضجة بحوار شفاف بعيد عن الابهار ضمن حلقة منوعة تخدم الضيف، وتعطي قيمة للبرامج الحوارية، ولا ننكر ان لدينا تخمة في هكذا برامج الا ان نيشان تنبه لذلك فجعل فقراته مختلفة ومنوعة يضاف اليها الجانب الانساني، يدخل في نجاحات الضيف، ومن ثم مواقف حساسة ساهمت في طرح اشكاليات، وايضا رأيه بأمور الساعة وبالسياسة ورجالاتها، ولا ينسى الوقوف عند بعض الرموز التي صنعت مدماكا لهذا الوطن.
ركز نيشان على ان لا يكرر نيشان الذي الفناه وانتقدناه، اغنى مادته بالاعداد الشامل، لم يتعمد ارباك الضيف، وتعلم من اخطاء الحلقة الاولى شكلا ومضمونا وحوارا، وقد تكون حلقة الكبير انطوان كرباج اكبر دليل على صحة ما نشير، الحوار مع كرباج اليوم ومباشرة من اصعب ما يكون وهو ما يعانيه من مرض في الذاكرة والعمر، ومع ذلك لم يتشاطر عليه نيشان، ولم يستغله سلبيا او يوقعه في شرك الذاكرة بل اخذ منه ما يجعلنا نتعلم منه، ونبقيه في القمة التي يستحقها بعد هذا العمر وهذه التجربة الكرباجية القيمة.
هنا ملعب نيشان الذي خرج من عقدة نجم الصف الاول وخرج بنجاح من عقدة النجوم العرب، وهنا قدرته على ان يكون اكثر حرية، وهنا باستطاعته ان يطل نجما واعيا ومثقفا يفرض حضوره وينال التحية، عودة نيشان إلى شاشات لبنان مكسبا للفضاء العربي، ونجاحا له، واشكالية محلية نحتاجها وتفرضه على الاخرين احببناه او لم نحبه.. نيشان في " اكابر " حتى الان حوارات الاكابر ومسؤلية في ان نحاور الاكابر، ونأمل ان يحافظ على هذا المستوى ولا يفرض علينا صغائر الفن والسياسة والمجتمع بحجة تسويقهم إلى عالم الاكابر وهم من ذلك براء!